کد مطلب:142619 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:267

رأینا الخاص فی هذه القضیه
لم یختلف المؤرخون فیما عرض لهم و عرض علیهم من مسائل التاریخ مثلما اختلفوا فی قضیة مقتل الامام الحسین، من بدایتها حتی نهایتها من الدوافع الأولیة الی الخدیعة و خیانة الأعراب.

و قد اختلطت كما أسلفنا الروایات الحقیقیة بالمكذوبة التی افتراها البعض و روجوا لها بأسلوب یهدر كل القیم و المثل و مهما كان من أمر فان الجریمة بشعة لكنها لا تخرج عن منافحة و مجاهدة فی سبیل الحق، رجل رغب عن الدنیا و رغب فی الآخرة، و كلف بالباقیة فهانت علیه الفانیة، فنال خیر ما یتمنی الصالحون نال الشهادة و هی أعظم و أجل ما یطمح الیه و یطمع فیه المسلم الصدوق.

ولكن لی فی هذه المسألة جملة من الخواطر و الآراء أوجزها فیما یلی:

أن الحسین بن علی رضی الله عنه قد أحسن الظن بالأعراب فكان تعویله علی خطاباتهم و رسلهم الیه ثقة مطلقة لم یضع لها احتمالا للخیانة أو الخدیعة.

اصرار الحسین علی الخروج رغم تحذیر أقربائه و أصحابه و ناصحیه فلم یأخذ برأی أی منهم كانت نقطة علیه لاله، و كأنه نسی قول جده صلی الله علیه و سلم: - «ما خاب من استخار و ما ضل من استشار»


لما قتل مسلم ابن عقیل روی ابن كثیر أن الحسین اقتنع فی آخر لحظة بالقفول و الایاب من حیث خرج لكن أخوة مسلم بن عقیل أصروا علی التقدم و لم یمتثلوا ارادة الحسین رضی الله عنه مصممین علی الأخذ بالثأر لأخیهم فكان الحسین فی أعصی جند.

و ذلك مثل الذی حدث لأبیه علی اذ خذله الشیعة، و لذلك قال معاویة: «نصرت علی علی بأربع: كان یفشی سره و كنت أكتمه، و كان فی أعصی جند و كنت فی أطوع جند... ألخ».

الذی یدان به یزید أنه أضمر الانتقام رغم دهاء سمته الذی ورثه عن أبیه معاویة و عن جده أبی سفیان و ان لم یعدم الحلم الموروث عنهما الا أنه كان مصرا علی أشد الانتقام عندما عمد الی تعیین عبیدالله بن زیاد فی قیادة الجند و وكل الیه و شمر بن ذی الجوشن مواجهة الحسین تحت قیادة عمرو بن سعد و هؤلاء الثلاثة معروفون بعدائهم الشدید و سخیمتهم الملتهبة وحدة شرتهم نحو أهل البیت لذلك فلم یراعوا الله فی ابن بنت رسول الله صلی الله علیه و سلم و شددوا علیه و حصروه و أحصروا بجنوده و رجاله و قد احتوشوهم جمیعا و أعملوا فی رقابهم السیف اثخانا و تنكیلا بلا رحمة أو هوادة، ثم یأتی بعد ذلك یزید فیقول: «قبحه الله ابن مرجانة - و فی روایة سمیة - أما والله لو كنت صاحبه لتركته، رحم الله أبا عبدالله و غفر له [1] .

فان كان الذی حدث لم یكن یرضی یزید فكیف یكون ذلك متمشیا مع المنطق و مع الواقع، و هل تم القتل و الاثخان من أهل البیت و الكلاب المسعورة الضالة تحتوشهم من كل جانب تلغ فی دمائهم هل تم ذلك الا بأمره و هل كان عبیدالله بن زیاد أو عمرو بن سعد أو غیرهما الا مأمورین من یزید؟؟!!

و لماذا لم یعاقب یزید بن معاویة القاتل أو القتلة علی هذه الجریمة النكراء؟

ثم یقال بعد ذلك انه كان حزینا مغتما، و كیف ذلك و یروی لنا القرطبی


فی التذكرة (667: 2) أن یزید بن معاویة وضع رأس الحسین فی طست من ذهب و جعل ینظر الیه و یقول هذه الأبیات:



صبرنا و كان الصبر منا عزیمة

و أسیافنا یقطعن كفا و معصما



نعلق هاما من رجال أعزة

علینا و هم كانوا أعق و أظلما



ثم یقول القرطبی بعد ذلك «ثم تكلم بكلام قبیح، و أمر بالرأس أن تصلب بالشام» ا. ه.

فكیف یقال بد ذلك أن یزید أظهر الضیق و الندم، و قد كان حریا به أن یكون أقرب الی العفو منه الی الانتقام و التشفی و التمثیل، و كان ذلك أكرم و أطیب و لذلك فمهما بدر من الحسین، كان خلیقا بیزید أن یتجمل و یشدد علی رجاله ألا یقربوه بسوء و أن یحملوه الیه، و لا جرم أن یزید فجع القلوب و جرح الخواطر و قطع الرحم بذلك و ألب علیه الرأی العام فی عصره و فی كل العصور و الأمصار الی یوم القیامة.

أننی أری - و هذا رأی خاص - أن الحسین انتصر علی المدی البعید، فهو ان لم یظفر بمراده فی معركة حربیة و مواجهة عسكریة الا أن نیله الشهادة فی حذ ذاته كان انتصارا له ثم أنه زرع بذور الحسیكة و الحقد و السخیمة فی قلوب الناس جمیعا نحو بنی أمیة و لا یخامرنی شك فی أن الحسین انتصر علی المدی البعید و كان استشهاده سببا مباشرا فی زلزلة عرش دولة الأمویین، مع انصباب جام اللعنات و السخطات علیهم بسبب و من جراء هذه الجریمة البشعة.

أخیرا... نقول اننا مأمورون بالاستغفار لهؤلاء و هؤلاء و الدعاء لهم فاذا ما بعثوا یوم القیامة یفصل الله بینهم فأمرهم راجع الی ربهم فهو وحده الذی یعلم السر و أخفی و هو وحده أعرف بحقیقة نوایا كل منهم و هو أعلم بالسرائر.

اللهم انا نسألك العفو و الصفح و النجاة من النار و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین.



[1] العقد الفريد لابن عبد ربه (381: 4).